
منصور ريان
ارادو قهرنا وتحطيم إرادتنا، فقهرناهم بصمودنا وتحويلنا الأسر إلى مدرسة وجامعة للتعلم والإعداد والتربية.. هذا ما قاله الأسير المحرر منصور ريان، صاحب التجربة الاستثنائية في خوض مسيرة التعليم فيما يقرب الـ19 عامًا من الأسر.
فعندما اعتقل المجاهد البطل ريان – الذي تنسم ربيع الحرية عبر صفقة وفاء الأحرار – عام 1993 كان في الصف العاشر، ولكنه لم يستسلم فواصل مسيرة العلم رغم الحكم الكبير الذي حكم به، واستطاع استكمال الدراسة وتحصيل شهادة الثانوية العامة، ثم نال شهادة البكالوريوس والماجستير من الجامعة العبرية بتقدير امتياز.
مسيرة علـــم
وقال ريان الذي أفرج عنه إلى قطاع غزة لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”: إنه مضى في طريق العلم تحديًّا للاحتلال وقهره، فـقضبان الأسر والأسلاك الشائكة لا يمكن أن تحطم وتكسر إرادتنا، مشيرًا إلى أنه إلى جانب المسيرة الأكاديمية التي وصلت إلى الحصول على الماجستير في العلوم السياسية “الدراسات الإقليمية” فإنه تعلم خلال الأسر اللغة العبرية والإنجليزية والروسية وقليلًا من الفرنسية.
وابتسم وهو يقول “كانت مسيرة تحدٍّ للاحتلال، أننا لا يمكن أن نفقد الأمل وسنواصل المشوار، أنا أتعلم وأستفيد من تجربة إخواني ثم أكون نافعًا لهم ولمن يأتي من بعد.. جيل يسلم جيلا”.
أكاديمية في سجنه
المجاهد ريان من سكان قرية قراوة بني حسان – قراوة بني حماس، كما يطلق عليها الكثيرون – قضاء سلفيت، شمال غرب الضفة الغربية المحتلة، اعتقل بتاريخ 2/4/1993، بعدما نجح وهو فتى يافع لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره في حينه، في قتل مغتصب صهيوني يُدعى يورم سخوري طعنًا بالسكين، وإصابة زوجته حنا سخوري بجروح، داخل مغتصبة “كريات نظافيم” القريبة من “أريئيل” بالضفة الغربية، ثأرًا لما كان يتعرض له شعبنا في حينه من جرائم وقتل واعتداءات.
وأصدرت سلطات الاحتلال حكمًا بالسجن المؤبد مدى الحياة بحق ريان بتهمة قتل المغتصب، وكأنها كانت تريد أن تحطم إرادته وتدمر مستقبله، ولكنه جابه ذلك بإيمان وتحدٍّ وأكمل المسيرة التعليمية حتى استطاع أن يكون هو أكاديمية يدرس فيها 60 أسيرًا.
يقول ريان: “الاحتلال أراد باعتقالنا وإصدار أحكام بعشرات السنين علينا أن يدمرنا، ويقول لنا أنتم أحياء أموات في هذه القبور، ولكننا جابهنا ذلك بإرادة وإيمان، وتحولت بفضل الله السجون إلى مدارس وجامعات في شتى شؤون المعرفة والتربية والإعداد، لأننا لم نفقد الأمل وكنا ندرك أن لحظة الحرية آتية لا محالة”.
فخر بغزة
ويضيف: “عندما ظهر اسمي في لائحة المفرج عنهم في صفقة التبادل سجدت شكرًا لله، وكانت لحظات القلق والترقب التي لم أستطع معها كما أغلب المحررين من النوم لأيام حتى عانقنا شمس الحرية ودبت أقدامنا على أرض غزة العزة حيث كان الاستقبال الحاشد والحافل الذي لم نكن نتخيل أن نلقاه في حياتنا أبدًا”.
ومن شدة اعتزازه وفخره بغزة وأهلها، يبدي ريان تصميمًا على الزواج من فتاة غزيّة يكمل معها نصف دينه رغم إمكانية أن يتزوج فتاة من بلدته تأتي عبر الأردن ومصر، قائلًا: “قررت أن أتزوج بفتاة من غزة التي أحببتها وأحببت أهلها، ووجدت منهم احتضانًا وتقديرًا يفوق التصور”.
ويقدر ريان صبر غزة وصمودها على مدار أكثر من خمس سنوات منذ أسر شاليط “فكان أن صمدوا في حرب إبادة جماعية (حرب الفرقان) التي تابعناها، لحظة بلحظة من خلف القضبان”، والتي كانت نهايتها قهر الجيش الصهيوني”.
وووجه ريان حديثه إلى أهل غزة ومقاومتها قائلًا: “يا سكان غزة رجالًا ونساءً وأطفالًا وشبابًا: شكرًا لكم، والشكر موصول إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام، فنحن والله نحبكم في الله، لقد كنتم رائعين، لقد أبدعتم في عملية الوهم المتبدد، لقد أبدعتم في إخفاء الجندي الصهيوني لنحو ست سنوات، لقد أبدعتم في التفاوض وانتصرتم على المماطلة والتعنت الصهيوني”.
وأضاف “لقد حررتمونا من السجن، فأخرجتم لنا لوحة جميلة اسمها صفقة (وفاء الأحرار)، فلكم خالص المحبة والتقدير وأن دوركم لن يتوقف عند هذا العهد”.
“أم الصفقات”
ويرفض الأسير المحرر أي تشكيك بالصفقة، مؤكدًا أنها كانت فتحًا مبينًا، ووصفها بأنها “أم الصفقات”، وقال :”أخرجتنا من غياهب السجون وظلمات الزنازين وقبور الأحياء، كنا نشعر وكأننا نعيش حياة البرزخ بها؛ فلا نحن أموات فنحاسب ولا أحياء فنتحرك بحرية”.
وقال: “بعد هذه الصفقة نحن أقوى من الاحتلال.. أقوى منه أمنيًّا واستخباراتيًّا وعقليًّا وتخطيطًا، فالقسام كان يخفي ليس شاليط بذاته وإنما كان يحتجز العقلية الأمنية الصهيونية كلها”.
وأشار إلى أن ما يميز هذه الصفقة أنها شملت الكثير الكثير من السوابق “ليس فقط أنها أول عملية تبادل في داخل فلسطين المحتلة، وليست لأنها شملت فئات المؤبدات، وليس لأنها شملت 1027 أسيرًا وأسيرة؛ بل لأنها أكدت من جديد على وحدة الجغرافية الفلسطينية من البحر إلى النهر ومن الناقورة إلى العقبة، فالصفقة أخرجت أسرى من الداخل، والقدس وغزة والضفة وحتى الشتات والجولان، وهذا يعني أن فلسطين التاريخية، والتي مساحتها 27 ألف كم هي حق شرعي وتاريخي وحضاري لنا”.
ولفت النظر إلى أن الصفقة شملت في داخلها أسماء قادة ومجاهدين، وخلايا قسامية أوجعت العدو الصهيوني، وسجلت أسماءها وبطولاتها في كتب التاريخ بأحرف من نور ودم، من بينها “خلية صوريف”: عبد الرحمن غنيمات الذي سلمته السلطة في منتصف التسعينيات إلى الاحتلال مباشرة، وكذلك أيمن قفيشة. وخلية سلواد كوبر: جاسر البرغوثي وهشام مجازي وغيرهم. وخلية فاكسمان: جهاد يغمور وزكريا نجيب. وخلية تولدانو: محمود عطون، وموسى عكاوي، وماجد اقطيش. وخلية القدس: أيمن أبو خليل وعصام قضماني (..)، مشيرًا إلى أن هذه الخلايا قتلت 600 صهيوني وجرحت 4000 آخرين.
لسنا مبعدين
ورغم شعور البطل بالاشتياق لسلفيت وأرض الضفة الصامدة، يؤكد ريان فرحته بالحرية قائلًا: “نشعر أننا لسنا مبعدين بل نحن بين أهالينا وقومنا وشعبنا، فأينما وجد التراب الفلسطيني فهو موطني وأينما وجد اللاجئ الفلسطيني فهو قضيتي دون تردد”.
ويصر البطل على إرسال تقدير خاص لحركة “حماس” وقيادتها وحكومة هنية وكتائب القسام قيادة وجندًا والفصائل الآسرة لشاليط، وكذلك لأهالي شهيدي “الوهم المتبدد” حامد الرنتيسي ومحمد فروانة – رحمهما الله -.
ويبدي ريان ثقة أن هذه الصفقة هي السلم الثابت للوصول إلى تحرير القدس وكل فلسطين، مشددًا على أن الثقة بالمقاومة والقسام تعززت وبات الكل يدرك أن العدو الصهيوني لا يفهم لغة السلام فهو لا يفهم غير لغة القوة.